الناقوس
الوقت قصير والعمر قصير ولا وقت تضيعه في هذه العجالة امض يا ولدي لعلك تصل مبتغاك.
تهمس : هنا الفرق الرئيس بيننا وبين غزاة الديار.
تهمس : انهم يقولون امض حتى تصل.
يشيعك والدك بعينين ضبابيتين يدعو لك...
تصل دار السينما الكبرى وسط المدينة تقتحم المقاعد ترفع عقيرة صوتك:
- يا قوم ! الغزاة على الأبواب ، لا بل في باحة الدار بل في غرف منامتنا .. لا أحد يجيب ! القوم باهتون كأنه يوم الحشر!!
يجيبك أحدهم متثائباً :
- أمعقول هذا أيها المخبول ، أين هؤلاء الغزاة ؟! ونحن في هذا الوئام .. انظر ماذا لدينا منهم ! هم يخترعون ونحن نستمتع ، تصرخ ثانية يصم القوم آذانهم كقوم نوح.
صورة
كنت تقف بباب الدار والماء يندفع جارفاً آتياً من علٍ ، يحول أزقة الحي إلى انهار جارفة يصرخون :
- الماء .. دخل الماء دار الجيران !! يهرول والدك وعلى كتفه معول ، لم تكن تعرف أن الماء الرقراق يمكن أن يتحول إلى جيوش بأصوات مرعبة .. تندفع بلا رحمة داخل البيت الواطىء أسفل المنحدر ،يخرج والدك مبتلاً على ساعديه طفلان يرتجفان ، يدخلهما بيتكم ، يقدمهما عليكم أمام النار، يدثرهما بالأغطية يستعيد الحي الحدث مراراً طوال الشتاء وفي أيام القيظ تحدثك به الوالدة وهي تعلف الدجاج أو تطعم الحمام أو تحلب الماعز.
مداخلة
يقول لك رجل أنيق الثياب وهو ينفض عنه الغبار الوهمي برؤس أنامله:
- لماذا تحاول أن تحطم الأصنام ؟ أتعتقد نفسك النبي المنتظر دع الخلق يمرحون الحياة قصيرة ولحظات المتعة نادرة.
يصمت الرجل (تدق الساعة دقاً كالناقوس) ثم ينهي الأشياء بكلمة قاضية : عندما يكون السيل كالطوفان إما أن تركب الموج أو ترقى شجرة.
استجابة
ها أنت تمرح مع المرحين لكن سكاكين تمزق داخلك تحدث ثقوبا في إنحائك ، تبدو انك طاف على سطح الماء كقشة ، تغمض عينيك على كابوس الموج لكنك ترى والدك والمعول على كتفه. تفتح عينيك تأخذ أنفاسا عميقة تسأل :
- ماذا لو وقف والدك ساكنا أم البيت المغمور بالماء؟!
(تدق الساعة كالمدفع)
تردد الجبال صوت والدك القوي العميق .
الوقت قصير يا ولدي والعمر اقصر والساعة تدق تدق والسيل آت آت آت.