رجل المهمات الصعبة
أسعد عليا هذا النعت ، لعل أحد مديريه أطلقه عليه ساخراً في قرارة نفسه ، لكنه أدى مفعولاً غير متوقع، وهكذا صار ، وكلما حدثت أزمة في المؤسسة ، أستدعي علي ، ويجلس في حضرة المدير ، الذي يتجاهله عادة دقائق ، متشاغلاً بمطالعة أوراق غير مهمة على مكتبه.
- يا علي لدينا فرعا في المدينة الفلانية ، أوضاعه كيت وكيت ، وتقلب عليه عدة مديرون دونما نتيجة ، نريد منك ترتيب أوضاعه.
وهكذا ينطلق علي ، يزاوج الليل بالنهار ، يطبق كل نظريات الإدارة الحديثة والقديمة التي تعلمها ... همه أن ينجح في مهمته ، ولا يخيب رجاء مديره فيه ، ولم تمض شهور حتى يجلس إلى مكتبه ، يسطر مذكرة للإدارة .. بعبارته التقليدية:
- تم بعون الله ، وتضافر جهود العاملين ، وتوجيهاتكم تجاوز أزمة الفرع ، بعد تنفيذ الإجراءات التالية : ...." ثم يبعث بالمذكرة بواسطة جهاز الفاكس.
في البداية كان ينتظر من المدير هاتفاً ، يشكر جهوده ولكنه لم يعد يفعل ، عندما عانى أول مرة مع الإدارة صرف "المياومات" التي لم تصرف. ولم تغط حتى نفقات السفر الحقيقية ، أدرك أخيرا أن الذي يحدث هو أن "كله عند العرب صابون" أو "كله بسعر بعضه".
يسبح علي عكس التيار …
ولكنه يفعل ما هو "صح" ، ولكن من هو الغبي الذي يفعل ذلك؟! ... انه علي طبعاً ، يحاور نفسه ، من المسؤول عن هذه المأساة؟ سأل نفسه وأجاب ، انه معلم التربية الدينية ، الذي لقنه وأترابه مبادىء الأمانة والصدق وحب الوطن .. أو لعله معلم الاقتصاد في الجامعة الذي كان يذهلهم بالحديث عن التجربة اليابانية وفاعلية الإنتاج لديهم .
لقد لمعت أسماء كثيرة من المدراء على أكتافه ، وهو يعمل بصمت ، همه الأول والأخير أن يعيش بكرامة ... كرامة بطن وعقل .... ومع مرور السنين اكتشف انه يعمل كثور الساقية.... يدور إلى ما لا نهاية حول مركز مجهول.
حتى جاء ذلك اليوم المحتوم ... حين وصفه أحد زملائه ضاحكاً بـــ :
- رجل المهمات القذرة .
ثم استطرد زميله:
- لا تستطيع أن تفخر بأنك (أهبل) ، تغسل كل القذارات التي يتسبب فيها المدراء الفاشلون ... هم يترفعون ... ويترفهون وأنت تغسل وتبقى مجهولاً .
- هكذا إذن يا علي!!
لا يدري علي كم مضى من الوقت وهو جالساً وحده في المكتب ، إذ مرت عليه إغفاءة كالنسيم رأى فيها عصفوراً صغيراً يصفق بجناحيه أمام ريح عاصف، ثم تنهال عليه الثلوج...
انه يسبح عكس التيار .. تتلاحق أنفاسه ولكنه "صح" يتعب ... ويكاد يحتضر كما تحتضر الحقيقة الضعيفة تحت الثلج والوحل.